"فايننشال تايمز": انسحاب واشنطن من دعم "الصحة العالمية" يُهدد بوفاة ملايين الأطفال

"فايننشال تايمز": انسحاب واشنطن من دعم "الصحة العالمية" يُهدد بوفاة ملايين الأطفال
تخفيضات تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية

حذّرت دراسة علمية منشورة في مجلة "لانسيت" الطبية من أن التخفيضات الكبيرة في تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) قد تُسفر عن وفاة أكثر من 14 مليون شخص، بينهم ملايين الأطفال، بحلول عام 2030.

وذكرت صحيفة "فايننشيال تايمز"، اليوم الثلاثاء، أن الدراسة قدّرت أن هذه الوفيات ناتجة عن تفاقم أزمات صحية عالمية تشمل أمراضًا مثل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، والملاريا، والتهابات الجهاز التنفسي، وسوء التغذية، نتيجة تقليص المساعدات الأمريكية الحيوية الموجهة للدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

وأبرز الباحثون أن تأثير هذا الانسحاب المالي يُنذر بعكس التقدم المحرز في مجالات الصحة العالمية على مدار العقدين الماضيين، مما يُهدد مكتسبات تنموية وصحية تحققت بصعوبة.

قال الأستاذ في معهد برشلونة للصحة العالمية ديفيد راسيلا، وهو أحد مؤلفي الدراسة: "يمثل تراجع التمويل الهيكلي واحدة من أكبر الانتكاسات التي قد تواجه الصحة العامة منذ عقود"، وأضاف أن الفئات الأكثر هشاشة -مثل الأطفال والأمهات- ستدفع الثمن الأكبر لهذا التراجع.

ملايين الوفيات يمكن تجنبها

استخدم فريق الباحثين بيانات من 133 دولة ومنطقة لتقييم تأثير التمويل الصحي الأمريكي خلال الفترة بين عامي 2001 و2021، وركّز الفريق على معدلات الوفيات حسب الفئة العمرية والنوع والأسباب الصحية، معتمدين على هذه البيانات لتوقّع الأثر المستقبلي إذا ما استمر تقليص التمويل حتى عام 2030.

أظهرت الحسابات أن البرامج الصحية التي تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية حالت دون وفاة نحو 91.8 مليون شخص خلال العقدين الماضيين، من بين هؤلاء، جرى إنقاذ 25.5 مليون شخص من الوفاة بسبب الإيدز، فيما أسهمت البرامج في إنقاذ 31 مليونًا آخرين من الملاريا والأمراض التنفسية وأمراض الإسهال وغيرها من الأمراض المُعدية المُزمنة.

توقّع الفريق أن يؤدي استمرار خفض التمويل إلى تسجيل ما بين 1.78 و2.5 مليون وفاة إضافية سنويًا خلال الفترة من 2025 إلى 2030، مُقارنةً بالمعدلات التاريخية.

الصحة والتعليم والتنمية

أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في مارس أن 83% من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ستُلغى، في حين ستُدار النسبة المتبقية من قبل وزارته، وفي عام 2023، أنفقت الوكالة نحو 42.4 مليار دولار على مشاريع الصحة والتعليم والتنمية، بحسب البيانات الرسمية.

وتبقى الصورة المستقبلية للتمويل غير واضحة، خصوصًا في ظل الطعون القانونية المقدّمة ضد عدد من التخفيضات، كما أعلن وزير الصحة الأمريكي، روبرت إف كينيدي الابن، عن وقف التمويل الأمريكي لبرنامج التحصين التابع لتحالف "جافي" الدولي للقاحات، وهو البرنامج الذي كانت الوكالة الأمريكية تدعمه تاريخيًا بمساهمات بلغت 300 مليون دولار في عام واحد.

قال الدكتور لوك ألين، المدير المشارك لبرنامج الرعاية الصحية الأولية العالمية بجامعة أكسفورد، إن النقاش حول حجم التأثير لا يجب أن يُشتّت الانتباه عن الحقيقة الجوهرية: "الوكالة الأمريكية للتنمية كانت ولا تزال أحد أعمدة التمويل الصحي الأساسي في أفقر بلدان العالم".

انتقادات حقوقية وصحية

أكّد كبير الباحثين في الصحة العالمية بجامعة ساوثهامبتون، مايكل هيد، أن انسحاب التمويل على هذا النحو ستكون له عواقب وخيمة، وقال: "قليلون هم من يرفضون الحاجة إلى إصلاح تمويل الصحة العالمية، لكن نادرًا ما يدعو أحد إلى انسحاب مفاجئ وكبير من التمويل كوسيلة لتحقيق ذلك".

وأضاف هيد أن هذا التحول في النهج الأمريكي تجاه التعاون الدولي لا يُهدد فقط الأرواح، بل يزعزع الثقة في الالتزامات متعددة الأطراف، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة قدّمت إخطارًا رسميًا بنيّتها الانسحاب من منظمة الصحة العالمية بداية العام المقبل.

أثارت هذه التطورات موجة من التساؤلات حول البدائل المطروحة لتعويض الفجوة التمويلية، خصوصًا في دول أفريقية وآسيوية تعتمد بشكل شبه كلي على المساعدات الأمريكية لتمويل برامج مكافحة الملاريا والإيدز والحصبة وسوء تغذية الأطفال.

وفي الوقت نفسه، لم تُصدر وزارة الخارجية الأمريكية أي تعليق رسمي على نتائج الدراسة أو الانتقادات الموجهة لها، كما لم توضح الآليات التي ستعتمدها لإدارة البرامج المتبقية تحت إشرافها المباشر بعد تقليص دور الوكالة.



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية